فصل: فَصْلٌ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ

جَمْعُ عُذْرٍ وَهُمْ‏:‏ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْخَائِفُ وَمَنْ يُلْحَقُ بِهِمْ‏.‏

‏(‏تَلْزَمُ‏)‏ صَلَاةٌ ‏(‏مَكْتُوبَةٌ الْمَرِيضَ قَائِمًا‏)‏ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏كَرَاكِعٍ، أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُعْتَمِدًا‏)‏ فِي قِيَامِهِ إلَى شَيْءٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏صَلِّ قَائِمًا‏}‏ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأُجْرَةِ صَلَّى قَاعِدًا ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ الْقِيَامِ كَذَلِكَ ‏(‏أَوْ شَقَّ‏)‏ عَلَيْهِ الْقِيَامُ ‏(‏لِضَرَرٍ‏)‏ يَلْحَقُهُ بِهِ ‏(‏أَوْ زِيَادَةِ مَرَضٍ، أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَوَهَنٍ بِقِيَامٍ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ تَلْزَمُهُ الْمَكْتُوبَةُ ‏(‏قَاعِدًا‏)‏ وَعَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ‏:‏ وَلَوْ مُعْتَمِدًا، أَوْ مُسْتَنِدًا بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ‏(‏مُتَرَبِّعًا نَدْبًا‏)‏ وِفَاقًا، كَمُتَنَفِّلٍ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ ‏(‏وَيُثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمُنْتَفَلٍ‏)‏ وَأَسْقَطَ الْقَاضِي الْقِيَامَ بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، حَتَّى زَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ الْقُعُودِ ‏(‏أَوْ شَقَّ‏)‏ عَلَيْهِ الْقُعُودُ ‏(‏وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ‏)‏ كَتَعَدِّيهَا بِضَرْبِ بَطْنِهَا فَنُفِسَتْ ‏(‏فَعَلَى جَنْبِهِ‏)‏ يُصَلِّي ‏{‏لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا زَادَ النَّسَائِيُّ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ الْجَنْبُ ‏(‏الْأَيْمَنُ أَفْضُلُ‏)‏ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ‏.‏

‏(‏وَتُكْرَهُ‏)‏ صَلَاةُ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ ‏(‏عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ‏)‏ أَنْ يُصَلِّيَ ‏(‏عَلَى جَنْبِهِ‏)‏ وَتَصِحُّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَرِيضٌ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ ‏(‏تَعَيَّنَ‏)‏ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ، أَوْمَأَ إيمَاءً‏.‏

وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ‏(‏وَيُومِئ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ‏)‏ عَاجِزٌ عَنْهُمَا مَا أَمْكَنَهُ، نَصًّا، لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَجْعَلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودَ ‏(‏أَخْفَضَ‏)‏ لِلْخَبَرِ وَلِلتَّمْيِيزِ‏.‏

‏(‏وَإِذَا سَجَدَ‏)‏ مَرِيضٌ غَايَةَ ‏(‏مَا أَمْكَنَهُ عَلَى شَيْءٍ رُفِعَ‏)‏ لَهُ وَانْفَصَلَ لَهُ وَانْفَصَلَ عَنْ الْأَرْضِ ‏(‏كُرِهَ‏)‏ لَهُ ذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي إجْزَائِهِ ‏(‏وَأَجْزَأَهُ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ، أَوْمَأَ‏.‏

‏(‏وَلَا بَأْسَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودِ ‏(‏عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ بِلَا رَفْعٍ وَاحْتُجَّ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ‏:‏ نَهَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ‏.‏

‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ إيمَاءٍ بِرَأْسِهِ ‏(‏أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَيْنِهِ ‏(‏نَاوِيًا مُسْتَحْضِرًا‏)‏ تَفْسِيرٌ لَهُ ‏(‏الْفِعْلَ‏)‏ عِنْدَ إيمَائِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ نَاوِيًا ‏(‏الْقَوْلَ‏)‏ إذَا أَوْمَأَ لَهُ ‏(‏إنْ عَجَزَ عَنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَوْلِ ‏(‏بِقَلْبِهِ‏)‏ مُتَعَلِّقَيْنِ بِ مُسْتَحْضِرًا أَيْ‏:‏ يَسْتَحْضِرُ الْفِعْلَ عِنْدَ إيمَائِهِ بِهِ وَيَسْتَحْضِرُ الْقَوْلَ إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ ‏(‏كَأَسِيرٍ خَائِفٍ‏)‏ أَنْ يَعْلَمُوا بِصَلَاتِهِ، قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مَعَ عَقْلِهِ وَفِي التَّبْصِرَةِ‏:‏ صَلَّى بِقَلْبِهِ، أَوْ طَرْفِهِ وَفِي الْخِلَافِ‏:‏ أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ وَحَاجِبِهِ، أَوْ قَلْبِهِ‏.‏ اهـ‏.‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏وَلَا تَسْقُطُ‏)‏ الصَّلَاةُ عَنْ مَرِيضٍ مَا دَامَ ثَابِتَ الْعَقْلِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ مَعَ النِّيَّةِ بِقَلْبِهِ‏.‏

وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ، أَوْ قُعُودٍ إذَا صَلَّى عَلَى مَا يُطِيقُهُ لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏فَإِنْ قَدَرَ‏)‏ مُصَلٍّ قَاعِدًا ‏(‏عَلَى قِيَامٍ‏)‏ فِي أَثَنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَدَرَ مُصَلٍّ مُضْطَجِعًا عَجْزًا عَنْ قُعُودٍ عَلَى ‏(‏قُعُودٍ فِي أَثْنَائِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏انْتَقَلَ إلَيْهِ‏)‏ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ‏.‏

وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ، وَأَتَمَّهَا ‏(‏فَيَقُومُ‏)‏ الْعَاجِزُ أَوَّلًا عَنْ الْقِيَامِ ‏(‏أَوْ يَقْعُدُ‏)‏ مَنْ كَانَ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ لِتَرْكِهِ ‏(‏وَيَرْكَعُ بِلَا قِرَاءَةٍ مَنْ‏)‏ كَانَ ‏(‏قَرَأَ‏)‏ حَالَ عَجْزِهِ لِحُصُولِهَا فِي مَحَلِّهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْ حَالَ عَجْزِهِ ‏(‏قَرَأَ‏)‏ بَعْدَ قِيَامِهِ، أَوْ قُعُودِهِ، لِيَأْتِيَ بِفَرْضِهَا، وَإِنْ كَانَ قَرَأَ الْبَعْضَ أَتَى بِالْبَاقِي ‏(‏وَإِنْ أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا‏)‏ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَبْطَأَ‏.‏

‏(‏مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ‏)‏ فِي أَثَنَاءِ صَلَاتِهِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ ‏(‏فَعَادَ الْعَجْزُ‏)‏ فِي الصَّلَاةِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ إبْطَاؤُهُ ‏(‏بِمَحِلِّ قُعُودٍ‏)‏ مِنْ صَلَاتِهِ ‏(‏كَتَشَهُّدٍ صَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُ لِأَنَّ جُلُوسَهُ بِمَحَلِّهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ قُعُودٍ ‏(‏بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏ لِزِيَادَتِهِ فِعْلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ‏(‏وَ‏)‏ بَطَلَتْ ‏(‏صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ، وَلَوْ جَهِلُوا‏)‏ لِارْتِبَاطِ صَلَاتِهِمْ بِصَلَاتِهِ‏.‏

وَكَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ‏(‏وَيَبْنِي مَنْ‏)‏ ابْتَدَأَهَا قَائِمًا، أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ ‏(‏عَجَزَ فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ‏:‏ الصَّلَاةُ ‏(‏عَلَى مَا فَعَلَهُ‏)‏ لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا، كَالْآتِي مَنْ يَخَافُ ‏(‏وَتُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ‏)‏ مَنْ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ عَنْهُ ‏(‏إنْ أَتَمَّهَا فِي‏)‏ حَالِ ‏(‏انْحِطَاطِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي صَارَ فَرْضَهُ و‏(‏لَا‏)‏ تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ ‏(‏مَنْ‏)‏ صَلَّى قَاعِدًا عَجْزًا ثُمَّ ‏(‏صَحَّ‏)‏ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ‏(‏فَأَتَمَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْفَاتِحَةَ ‏(‏فِي‏)‏ حَالِ ‏(‏ارْتِفَاعِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ نُهُوضِهِ، كَقِرَاءَةِ الصَّحِيحِ حَالَ نُهُوضِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ وَقُعُودٍ دُونَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، أَوْمَأَ بِرُكُوعٍ قَائِمًا‏)‏ لِأَنَّ الرَّاكِعَ كَالْقَائِمِ فِي نَصْبِ رِجْلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَوْمَأَ ‏(‏بِسُجُودٍ قَاعِدًا‏)‏ لِأَنَّ السَّاجِدَ كَالْجَالِسِ فِي جَمْعِ رِجْلَيْهِ، وَلِيَحْصُل الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيمَاءَيْنِ‏.‏

وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَحْنِيَ رَقَبَتَهُ دُونَ ظَهْرِهِ حَنَاهَا وَإِذَا سَجَدَ قَرَّبَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا أَمْكَنَهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى سُجُودٍ عَلَى صُدْغَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَقُومَ‏)‏ فِي الصَّلَاةِ ‏(‏مُنْفَرِدًا وَ‏)‏ قَدَرَ أَنْ ‏(‏يَجْلِسَ فِي جَمَاعَةٍ، خُيِّرَ‏)‏ بَيْنَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ جَالِسًا فِي جَمَاعَةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ لِأَنَّهُ يَفْعَل فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبًا وَقِيلَ‏:‏ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ‏.‏

‏(‏وَلِمَرِيضٍ‏)‏ وَلَوْ أَرْمَدَ ‏(‏يُطِيقُ قِيَامًا‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏مُسْتَلْقِيًا لِمُدَاوَاةٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ‏)‏ سُمِّيَ بِهِ لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ ‏(‏مُسْلِمٍ ثِقَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ كَافِرٌ وَلَا فَاسِقٌ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ‏.‏

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ صَلَّى جَالِسًا حِينَ جُحِشَ شِقُّهُ ‏"‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ، بَلْ فَعَلَهُ إمَّا لِلْمَشَقَّةِ، أَوْ لِوُجُودِ الضَّرَرِ وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ وَأُمُّ سَلَمَةَ تَرَكَتْ السُّجُودَ لِرَمِدٍ بِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِلْمَرِيضِ أَنْ ‏(‏يُفْطِرَ بِقَوْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ الثِّقَةِ ‏(‏إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَرَضَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا، أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏‏.‏

وَلَا تَصِحُّ مَكْتُوبَةٌ فِي سَفِينَةٍ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى قِيَامٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، كَمَنْ بِغَيْرِ سَفِينَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ بِهَا وَخُرُوجٍ مِنْهَا صَلَّى جَالِسًا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ؛ وَدَارَ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ فِي الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ وَتُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهَا مَعَ عَجْزٍ عَنْ قِيَامٍ، كَمَعَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ مَكْتُوبَةٌ ‏(‏عَلَى رَاحِلَةٍ‏)‏ وَاقِفَةٍ، أَوْ سَائِرَةٍ ‏(‏لِتَأَذٍّ بِوَحْلٍ وَمَطَرٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَثَلْجٍ، أَوْ بَرْدٍ لِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبَلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، يَعْنِي إيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَهُ أَنَسٌ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى نُزُولٍ بِلَا مَضَرَّةٍ لَزِمَهُ، وَقَامَ وَرَكَعَ كَغَيْرِهِ حَالَةَ الْمَطَرِ، وَأَوْمَأَ بِسُجُودٍ إنْ كَانَ يُلَوِّثُ الثِّيَابَ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ مَكْتُوبَةٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لِخَوْفِ ‏(‏انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ‏)‏ بِنُزُولٍ ‏(‏أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ‏)‏ إنْ نَزَلَ ‏(‏مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَسَيْلٍ وَسَبُعٍ، ‏(‏أَوْ عَجْزِهِ عَنْ رُكُوبِهِ إنْ نَزَلَ‏)‏ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ قَدَرَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا نَزَلَ وَالْمَرْأَةُ إنْ خَافَتْ تَبْرُزُ وَهِيَ خَفِرَةٌ صَلَّتْ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَذَا مَنْ خَافَ حُصُولَ ضَرَرٍ بِالْمَشْيِ ذَكَرَهُمَا فِي الِاخْتِيَارَاتِ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ الْمَكْتُوبَةُ لِعُذْرِ ‏(‏الِاسْتِقْبَالِ وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ‏)‏ مِنْ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، أَوْ إيمَاءٍ بِهِمَا، وَطُمَأْنِينَةٍ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ مَكْتُوبَةٌ عَلَى رَاحِلَةٍ ‏(‏لِمَرَضٍ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ أَثَرٌ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي زَوَالِهِ، لِسَكَنٍ إنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبٍ إنْ نَزَلَ، أَوْ خَافَ انْقِطَاعًا وَنَحْوَهُ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحِ وَأَوْلَى‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ وَشَرْطٍ‏)‏ لِمَكْتُوبَةٍ، أَوْ نَافِلَةٍ ‏(‏وَصَلَّى عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّاحِلَةِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ صَلَّى ‏(‏بِسَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَالْمِحَفَّةِ ‏(‏سَائِرَةً، أَوْ وَاقِفَةً، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ‏)‏ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ نَحْوِ مَطَرٍ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ خُرُوجٍ مِنْ نَحْوِ سَفِينَةٍ ‏(‏صَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُ لِاسْتِيفَائِهَا مَا يُعْتَبَرُ لَهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ بِمَاءٍ وَطِينٍ‏)‏ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ ‏(‏يُومِئ‏)‏ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ‏(‏كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏وَيَسْجُدُ غَرِيقٌ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ‏)‏ أَيْ‏:‏ ظَهْرِهِ، لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ وَلَا إعَادَةَ فِي الْكُلِّ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ الْمَقَرُّ لِأَعْضَاءِ السُّجُودِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى قُطْنٍ مَنْفُوشٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ مِمَّا لَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَعْضَاءُ لَمْ تَصِحَّ‏.‏

‏(‏أَوْ صَلَّى مُعَلَّقًا‏)‏، أَوْ فِي أُرْجُوحَةٍ ‏(‏وَلَا ضَرُورَةَ‏)‏ تَمْنَعُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَرْضِ ‏(‏لَمْ تَصِحَّ‏)‏ صَلَاتُهُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا وَعَدَمِ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏إنْ حَاذَى صَدْرُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏رَوْزَنَةً‏)‏ وَهِيَ الْكُوَّةُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ‏(‏وَنَحْوَهَا‏)‏ كَشُبَّاكٍ وَمَا لَا يُجْزِئُ سُجُودُهُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ أَيْضًا ‏(‏عَلَى حَائِلٍ صُوفٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَشَعْرٍ وَوَبَرٍ ‏(‏مِنْ حَيَوَانٍ‏)‏ طَاهِرٍ، وَلَا كَرَاهَةَ لِحَدِيثِ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى فَرْوَةٍ مَدْبُوغَةٍ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا ‏(‏عَلَى مَا مَنَعَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ‏)‏ كَفِرَاشٍ مَحْشُوٍّ بِنَحْوِ قُطْنٍ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏مَا تُنْبِتُهُ‏)‏ الْأَرْضُ لِاسْتِقْرَارِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَنَسٍ ‏{‏صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ‏}‏‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي الْقَصْرِ

وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ‏}‏ الْآيَةَ وَقَوْلُ يَعْلَى لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏{‏مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏مَنْ نَوَى‏)‏ أَيْ‏:‏ ابْتَدَأَ نَاوِيًا ‏(‏سَفَرًا مُبَاحًا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَيْسَ حَرَامًا وَلَا مَكْرُوهًا، وَاجِبًا كَانَ كَحَجٍّ وَجِهَادٍ مُتَعَيِّنَيْنِ، أَوْ مَسْنُونًا كَزِيَارَةِ رَحِمٍ، أَوْ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَتِجَارَةٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏نُزْهَةً وَفُرْجَةً‏)‏، أَوْ قَصَدَ مَشْهَدًا، أَوْ قَبْرَ نَبِيٍّ، أَوْ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ، أَوْ نَحْوَهُ أَوْ عَصَى فِي سَفَرِهِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ ضَالَّةٍ، وَلَوْ جَاوَزَ الْمَسَافَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَإِنَّ مَنْ نَوَاهُ وَقَصَرَ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَأْتِي لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا، ‏(‏أَوْ هُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفَرُ الْمُبَاحُ ‏(‏أَكْثَرُ قَصْدِهِ‏)‏ كَتَاجِرٍ قَصَدَ التِّجَارَةَ، وَقَصَدَ مَعَهَا أَنْ يَشْرَبَ مِنْ خَمْرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ‏.‏

فَإِنْ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ، أَوْ غَلَبَ الْحَظْرُ، أَوْ سَافَرَ لِيَقْصُرَ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ، وَيَأْتِي لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ، حَرُمَا ‏(‏يَبْلُغُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفَرُ ‏(‏سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا تَقْرِيبًا‏)‏ لَا تَحْدِيدًا ‏(‏بَرًّا، أَوْ بَحْرًا‏)‏ لِلْعُمُومَاتِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ‏(‏يَوْمَانِ قَاصِدَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ ‏(‏أَرْبَعَةَ بُرُدٍ‏)‏ جَمْعُ بَرِيدٍ‏.‏

لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيِّ‏:‏ هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، خُصُوصًا إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ‏.‏

‏(‏وَالْبَرِيدُ‏:‏ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٌ‏)‏ نِسْبَةً إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ وَالْمِيلُ الْهَاشِمِيُّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ، وَهِيَ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ‏)‏ بِذِرَاعِ الْيَدِ ‏(‏وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً، كُلُّ أُصْبُعٍ‏)‏ مِنْهَا عَرْضُهَا ‏(‏سِتُّ حِبَّاتِ شَعِيرٍ، بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى‏)‏ بُطُونِ ‏(‏بَعْضٍ، عَرْضُ كُلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِرْذَوْنٍ‏)‏‏.‏

قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ‏:‏ التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ، عَكْسُ الْعِرَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ‏:‏ الذِّرَاعُ الَّذِي ذُكِرَ قَدْ حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هَذَا‏:‏ فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ، عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ‏:‏ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا قَالَ‏:‏ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ مَنْ يَنْتَبِهُ لَهَا‏.‏

‏(‏أَوْ تَابَ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي سَفَرٍ غَيْرِ مُبَاحٍ ‏(‏وَقَدْ بَقِيَتْ‏)‏ الْمَسَافَةُ فَإِنْ لَمْ تَبْقَ لَمْ يَقْصُرْ‏.‏

‏(‏أَوْ أُكْرِهَ‏)‏ عَلَى سَفَرٍ ‏(‏كَأَسِيرٍ، أَوْ غُرِّبَ‏)‏ كَزَانٍ بِكْرٍ ‏(‏أَوْ شُرِّدَ‏)‏ كَقَاطِعِ طَرِيقٍ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا و‏(‏لَا‏)‏ يَقْصُرُ ‏(‏هَائِمٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ خَارِجٌ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ‏؟‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏سَائِحٌ‏)‏ لَا يَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏تَائِهَ‏)‏ أَيْ‏:‏ ضَالُّ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ قَصْدُ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ‏.‏

وَلَيْسَ بِمَوْجُودِ مِنْهُمْ ‏(‏فَلَهُ قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ‏)‏ جَوَابٌ لِمَنْ، أَوَّلَ الْفَصْلِ فَيَقْصُرُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ إلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَا تُقْصَرُ صُبْحٌ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَةٌ بَقِيَتْ رَكْعَةٌ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ وَلَا مَغْرِبَ، لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ فَإِنْ سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَةٌ بَطَلَ كَوْنُهَا وِتْرًا وَإِنْ سَقَطَ رَكْعَتَانِ بَقِيَ رَكْعَةٌ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ ‏(‏و‏)‏ لَهُ ‏(‏فِطْرٌ‏)‏ بِرَمَضَانَ لِلْآيَةِ، وَحَدِيثِ ‏{‏لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ‏}‏ ‏(‏وَلَوْ قَطَعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَسَافَةَ ‏(‏فِي سَاعَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ‏.‏

‏(‏إذَا فَارَقَ‏)‏ مَنْ نَوَى سَفَرًا مُبَاحًا ‏(‏بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ‏)‏ مُسَافِرًا، دَاخِلَ السُّورِ كَانَتْ أَوْ خَارِجَهُ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ، أَوْ بَرِّيَّةٌ، فَإِنْ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ ثُمَّ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْعَامِرَةِ الَّتِي تَلِي الْخَارِبَةَ وَإِنْ لَمْ يَلِ الْخَرَابَ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ لَكِنْ جُعِلَ الْخَرَابُ مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ لِيَسْكُنَهُ أَهْلُهُ فِي فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ لِلنُّزْهَةِ‏.‏

فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي‏:‏ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ إذَا فَارَقَ ‏(‏خِيَامَ قَوْمِهِ‏)‏ إنْ اسْتَوْطَنُوا الْخِيَامَ، ‏(‏أَوْ‏)‏ إذَا فَارَقَ مُسْتَوْطِنٌ قُصُورَ بَسَاتِينَ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَحَلًّا ‏(‏نُسِبَتْ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ ذَلِكَ الْمَحَلِّ ‏(‏عُرْفًا سُكَّانُ قُصُورٍ وَبَسَاتِينَ وَنَحْوِهِمْ‏)‏ كَأَهْلِ عِزَبٍ، مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ،‏:‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا وَلَا مُسَافِرًا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يَقْصُرُ إذَا ارْتَحَلَ‏"‏‏.‏

‏(‏إنْ لَمْ يَنْوِ عَوْدًا‏)‏ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ ‏(‏يَعُدْ قَرِيبًا‏)‏ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَسَافَةِ ‏(‏فَإِنْ نَوَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَوْدَ قَرِيبًا عِنْدَ خُرُوجِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَنْوِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ بَلْ ‏(‏تَجَدَّدَتْ نِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَوْدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏بَدَتْ‏)‏، أَوْ لِغَيْرِهِ ‏(‏فَلَا قَصْرَ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنِ رُجُوعُهُ سَفَرًا طَوِيلًا ‏(‏حَتَّى يَرْجِعَ وَيُفَارِقَ‏)‏ وَطَنَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏بِشَرْطِهِ‏)‏ السَّابِقِ ‏(‏أَوْ تَنْثَنِيَ نِيَّتُهُ‏)‏ عَنْ الْعَوْدِ ‏(‏وَيَسِيرَ‏)‏ فِي سَفَرِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ لِلسَّفَرِ، وَنِيَّتُهُ لَا تَكْفِي بِدُونِ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ‏.‏

‏(‏وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَصَرَ‏)‏ بِشَرْطِهِ ‏(‏ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ‏)‏، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ أَنْ ‏(‏يَقْصُرَ مَنْ أَسْلَمَ‏)‏ بِسَفَرٍ مُبِيحٍ، ‏(‏أَوْ بَلَغَ‏)‏، أَوْ عَقَلَ بِسَفَرٍ مُبِيحٍ، ‏(‏أَوْ طَهُرَتْ‏)‏ مِنْ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ بِسَفَرٍ مُبِيحٍ‏.‏

‏(‏وَلَوْ بَقِيَ‏)‏ بَعْدَ إسْلَامٍ، أَوْ بُلُوغٍ، أَوْ طُهْرٍ، أَوْ عَقْلٍ ‏(‏دُونَ الْمَسَافَةِ‏)‏ لِأَنَّ عَدَمَ تَكْلِيفِهِ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْقَصْرِ فِي آخِرِهِ إذْ عَدَمُ التَّكْلِيفِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ الْقَصْرِ، بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ وَقَدْ بَقِيَ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقَصْرِ فِي ابْتِدَائِهِ‏.‏

‏(‏وَقِنٌّ‏)‏ مُسَافِرٌ مَعَ سَيِّدِهِ ‏(‏وَزَوْجَةٌ‏)‏ سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا ‏(‏وَجُنْدِيٌّ‏)‏ سَافَرَ مَعَ أَمِيرٍ يَكُونُونَ ‏(‏تَبَعًا لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَأَمِيرٍ فِي سَفَرٍ وَنِيَّتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفَرِ فَإِنْ نَوَى سَيِّدٌ وَزَوْجٌ وَأَمِيرٌ سَفَرًا مُبَاحًا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ جَازَ لِلْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْجُنْدِيِّ الْقَصْرُ، وَإِلَّا فَلَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهُمْ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ رَجَحَتْ نِيَّةُ إقَامَةِ أَحَدِهِمْ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ إتْمَامُ‏)‏ رُبَاعِيَّةٍ لِمَنْ لَهُ قَصْرُهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏أَتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَرَ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ وَبَيَّنَ سَلْمَانُ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِمَحْضَرِ اثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ‏(‏وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ ‏"‏ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ‏"‏‏.‏

‏(‏وَمَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ‏)‏ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ بِمَوْضِعٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ إقَامَةً بِهِ تَمْنَعُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَرَّ ‏(‏بِبَلَدٍ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ زَوْجَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ حَتَّى يُفَارِقَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَرَّ بِبَلَدٍ ‏(‏تَزَوَّجَ فِيهِ‏)‏ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، حَتَّى يُفَارِقَهُ لِأَنَّهُ صَارَ فِي صُورَةِ الْمُقِيمِ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ‏.‏

‏(‏أَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَيْهِ حَضَرًا‏)‏ ثُمَّ سَافَرَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا صَلَاةُ حَضَرٍ وَجَبَتْ تَامَّةً ‏(‏أَوْ، أَوْقَعَ بَعْضَهَا فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَضَرِ، بِأَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مَقْصُورَةً بِنَحْوِ سَفِينَةٍ، ثُمَّ وَصَلَتْ وَطَنَهُ، أَوْ مَحَلًّا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَالْمُبِيحِ ‏(‏أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ بِسَفَرٍ، أَوْ عَكْسَهُ‏)‏ بِأَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ بِحَضَرٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ‏.‏

‏(‏أَوْ ائْتَمَّ‏)‏ مُسَافِرٌ ‏(‏بِمُقِيمٍ‏)‏ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ نَصًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏تِلْكَ السُّنَّةَ‏)‏ وَسَوَاءٌ ائْتَمَّ بِهِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْضِهَا، عَلِمَهُ مُقِيمًا، أَوْ لَا وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ‏:‏ لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فَاسْتَخْلَفَ لِعُذْرٍ مُقِيمًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ دُونَ الْإِمَامِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ائْتَمَّ مُسَافِرٌ ‏(‏بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي كَوْنِهِ مُسَافِرًا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ ‏(‏وَيَكْفِي عِلْمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَأْمُومِ ‏(‏بِسَفَرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ ‏(‏بِعَلَامَةِ‏)‏ سَفَرٍ مِنْ نَحْوِ لِبَاسٍ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ قَصَرَ قَصَرْتُ، وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْتُ لَمْ يَضُرَّ فِي نِيَّتِهِ‏.‏

‏(‏أَوْ شَكَّ إمَامٌ‏)‏ وَغَيْرُهُ ‏(‏فِي أَثْنَائِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏أَنَّهُ نَوَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَصْرَ ‏(‏عِنْدَ إحْرَامِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ كَانَ نَوَاهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏أَوْ أَعَادَ‏)‏ صَلَاةً ‏(‏فَاسِدَةً يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا‏)‏ ابْتِدَاءً، لِكَوْنِهِ ائْتَمَّ فِيهَا بِمُقِيمٍ أَوْ نَحْوَهُ فَفَسَدَتْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فِي الْإِعَادَةِ، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَذَلِكَ فَلَا تُعَادُ مَقْصُورَةً، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا جَاهِلًا حَدَثَهُ فَلَهُ الْقَصْرُ ‏(‏أَوْ لَمْ يَنْوِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَصْرَ ‏(‏عِنْدَ إحْرَامٍ‏)‏ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ نَوَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَصْرَ عِنْدَ إحْرَامٍ ‏(‏ثُمَّ رَفَضَهُ‏)‏ فَنَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ، فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُطَلَّقَةً‏.‏

‏(‏أَوْ جَهِلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ شَكَّ مُسَافِرٌ ‏(‏أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَصْرَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ عَمَلًا بِالظَّنِّ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏أَوْ نَوَى‏)‏ مُسَافِرٌ ‏(‏إقَامَةً مُطَلَّقَةً‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَنٍ، وَلَوْ فِي نَحْوِ مَفَازَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ، أَوْ نَوَى إقَامَةً بِبَلَدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَفَازَةٍ ‏(‏أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً‏)‏ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقَصْرُ، لِأَنَّ الَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏أَقَامَ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ‏)‏ لِأَنَّهُ كَانَ حَاجًّا وَدَخَلَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْحَاجُّ لَا يَخْرُجُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أَنَسٍ، أَيْ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ أَيْ‏:‏ أَحْمَدُ هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ، أَيْ‏:‏ لِأَنَّهُ حَسَبَ مُقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى وَيَحْسُبُ يَوْمَ الدُّخُولِ وَيَوْمَ الْخُرُوج مِنْ الْمُدَّةِ فَلَوْ دَخَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَوْ خَرَجَ عِنْدَ الْعَصْرِ احْتَسَبَ بِمَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى إقَامَةً ‏(‏لِحَاجَةٍ فَظَنَّ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي‏)‏ الْحَاجَةُ ‏(‏قَبْلَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْبَعَةِ أَقَامَ بَلْ بَعْدَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نِيَّةِ إقَامَتِهَا وَإِنْ يَظُنُّ انْقِضَاءَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَصَرَ‏.‏

‏(‏أَوْ شَكَّ‏)‏ مُسَافِرٌ ‏(‏فِي نِيَّةِ الْمُدَّةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي كَوْنِهِ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً، أَوْ لَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ ‏(‏أَوْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ‏)‏، أَوْ قَبْلَهَا ‏(‏عَلَى‏)‏ الْإِقَامَةِ، أَوْ قَلَبَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى ‏(‏قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مُحَرَّمٍ امْتَنَعَ الْقَصْرُ، ‏(‏أَوْ تَابَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ السَّفَرِ لِقَطْعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ تَامَّةً فَإِنْ كَانَ نَوَى الْقَصْرَ جَاهِلًا لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَيَأْتِي ‏(‏أَوْ أَخَّرَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةَ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ‏)‏ مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ ‏(‏حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَنْ فِعْلِهَا كُلِّهَا فِيهِ مَقْصُورَةً ‏(‏لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ‏)‏ لِأَنَّهُ صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ فَهَذِهِ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً، يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ فِيهَا الْإِتْمَامُ و‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُهُ إتْمَامٌ‏.‏

‏(‏إنْ سَلَكَ أَبْعَدَ طَرِيقَيْنِ‏)‏ إلَى بَلَدٍ قَصَدَهُ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ وَالْقَرِيبُ لَا يَبْلُغُهَا فَلَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا يَبْلُغُهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا أَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مَخُوفًا، أَوْ مُشِقًّا ‏(‏أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي‏)‏ سَفَرٍ ‏(‏آخَرَ‏)‏ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَلَهُ قَصْرُهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ الْمُبِيحِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهَا فِيهِ، أَوْ قَضَاهَا فِي سَفَرٍ تَرَكَهَا فِيهِ، فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي إقَامَةٍ تَخَلَّلَتْ السَّفَرَ ثُمَّ نَسِيَهَا حَتَّى سَافَرَ أَتَمَّهَا ‏(‏أَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ‏)‏، أَوْ جِهَادٍ ‏(‏بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ لَا يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي‏)‏ فَلَهُ الْقَصْرُ، غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَثْرَتُهُ، أَوْ قِلَّتُهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ، أَيْ‏:‏ يَعْزِمُ عَلَى إقَامَةٍ‏.‏ اهـ‏.‏

وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ‏.‏

‏{‏وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَنَسٌ ‏{‏أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَامَ هُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ‏}‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ‏.‏

‏(‏أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا‏)‏ حُبِسَ، ‏(‏أَوْ بِمَرَضٍ، أَوْ‏)‏ حُبِسَ بِ ‏(‏مَطَرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ فَلَهُ الْقَصْرُ مَا دَامَ حَبْسُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ‏"‏ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ‏.‏

وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ ‏"‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقِسْ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ وَمَنْ قَصَرَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِوَقْتِ أُولَاهُمَا سَفَرًا ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ ثَانِيَةٍ أَجْزَأَهُ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنُهُمَا كَذَلِكَ بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَقْتَ ثَانِيَةٍ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَقْصُرُ مَنْ حُبِسَ ‏(‏بِأَسْرٍ‏)‏ عِنْدَ الْعَدُوِّ، تَبَعًا لِإِقَامَتِهِمْ كَسَفَرِهِمْ ‏(‏وَمَنْ نَوَى‏)‏ بِسَفَرِهِ ‏(‏بَلَدًا بِعَيْنِهِ‏)‏ يَبْلُغُ الْمَسَافَة لَكِنَّهُ ‏(‏يَجْهَلُ مَسَافَتَهُ‏)‏ فِي أَوَّلِ سَفَرِهِ ‏(‏ثُمَّ عَلِمَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ ‏(‏قَصَرَ بَعْدَ عِلْمِهِ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهَا كَمَا لَوْ عَلِمَ مِنْ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ ‏(‏كَجَاهِلٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً‏)‏‏.‏

وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُمَا كَمَا لَوْ عَلِمَ مِنْ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ أَنْ ‏(‏يَقْصُرَ مَنْ‏)‏ نَوَى بَلَدًا بِعَيْنِهِ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ، و‏(‏عَلِمَهَا‏)‏ ابْتِدَاءً ‏(‏ثُمَّ نَوَى‏)‏ فِي سَفَرِهِ ‏(‏إنْ وَجَدَ غَرِيمَهُ‏)‏ فِي طَرِيقِهِ ‏(‏رَجَعَ‏)‏ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ انْعَقَدَ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ إنْ لَقِيتُ فُلَانًا بِالْبَلَدِ أَقَمْت بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ بِهِ فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ صَارَ مُقِيمًا مَا لَمْ يَفْسَخْ نِيَّتَهُ الْأُولَى قَبْلَ لِقَائِهِ، أَوْ حَالَ لِقَائِهِ، وَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ‏.‏

‏(‏أَوْ نَوَى إقَامَةً‏)‏ لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ ‏(‏بِبَلَدٍ دُونَ مَقْصِدِهِ بَيْنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَلَدِ إقَامَتِهِ الْمَذْكُورَةِ ‏(‏وَبَيْنَ بَلَدِ نِيَّتِهِ الْأُولَى‏:‏ دُونَ الْمَسَافَةِ‏)‏ فَلَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا طَوِيلًا وَتِلْكَ الْإِقَامَةُ لَا أَثَرَ لَهَا‏.‏

‏(‏وَلَا يَسْتَرْخِصُ مَلَّاحٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ صَاحِبُ سَفِينَةٍ ‏(‏مَعَهُ أَهْلُهُ‏)‏، أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ أَشْبَهَ الْمُقِيمَ فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي فِطْرِهِ‏.‏

‏(‏وَمِثْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَلَّاحِ ‏(‏مُكَارٍ‏)‏ يَحْمِلُ النَّاسَ وَالْمَتَاعَ عَلَى دَوَابِّهِ بِأُجْرَتِهِ ‏(‏وَرَاعٍ‏)‏ يَرْعَى الْبَهَائِمَ ‏(‏وَفَيْجٌ بِالْجِيمِ وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ وَنَحْوُهُمْ‏)‏ كَسَاعٍ وَبَرِيدٍ، فَلَا يَتَرَخَّصُونَهُ، إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُهُمْ وَلَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ بِبَلَدٍ وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُهُ، أَوْ كَانُوا مَعَهُ وَلَهُ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ فَلَهُ الْقَصْرُ كَغَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ‏)‏ لَهُ الْقَصْرُ لِنَحْوِ نِيَّةِ إقَامَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَكَوْنِهِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ لَا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ ‏(‏عَالِمًا‏)‏ عَدَمَ إبَاحَتِهِ لَهُ ‏(‏لَمْ تَنْعَقِدْ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏كَمَا لَوْ نَوَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَصْرَ ‏(‏مُقِيمٌ‏)‏ لِتَلَاعُبِهِ‏.‏

وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعَةٌ‏:‏ الْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ، وَالْمَسْحُ ثَلَاثًا، وَالْفِطْرُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

‏(‏يُبَاحُ‏)‏ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ‏(‏جَمْعٌ بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ‏)‏ بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏عِشَاءَيْنِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ ‏(‏بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ ‏(‏وَتَرْكُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمْعِ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ فِعْلِهِ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ‏(‏غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ‏)‏ فَيُسَنُّ بِشَرْطِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا، وَفِي مُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ تَأْخِيرًا أَمَّا مَكِّيٌّ وَمَنْ نَوَى إقَامَةً بِمَكَّةَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَجْمَعُ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ‏.‏

وَيُجْمَعُ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ ‏(‏بِسَفَرِ قَصْرٍ‏)‏ نَصًّا، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ، حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِنْ ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَازِلًا، أَوْ سَائِرًا فِي الْجَمْعَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِيَةُ ‏(‏لِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمْعِ ‏(‏مَشَقَّةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ‏}‏‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ ‏{‏مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ‏}‏ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثَةُ ‏(‏لِمُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ نَجَاسَةٍ‏)‏ نَصًّا كَمَرِيضٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعَةُ ‏(‏الْمُسْتَحَاضَةُ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَذِي سَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ ‏{‏لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فِي الِاسْتِحَاضَةِ وَإِنْ قَوِيَتْ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ، ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ‏.‏

وَيُقَاسُ عَلَيْهَا صَاحِبُ السَّلَسِ وَنَحْوُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسَةُ ‏(‏عَاجِزٌ عَنْ طَهَارَةٍ‏)‏ بِمَاءٍ، ‏(‏أَوْ تَيَمُّمٍ‏)‏ بِتُرَابٍ ‏(‏لِكُلِّ صَلَاةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ‏.‏

وَالسَّادِسَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ‏:‏، ‏(‏أَوْ‏)‏ عَاجِزٌ ‏(‏عَنْ مَعْرِفَةِ وَقْتٍ‏:‏ كَأَعْمَى وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمَطْمُورٍ، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّابِعَةُ ‏(‏لِعُذْرٍ‏)‏ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ حُرْمَتِهِ وَالثَّامِنَةُ‏:‏ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَوْ شُغْلٍ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ‏)‏ كَمَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا فَيُبَاحُ الْجَمْعُ، لِمَا تَقَدَّمَ بَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ‏.‏

‏(‏وَيَخْتَصُّ بِالْعِشَاءَيْنِ ثَلْجٌ وَبَرَدٌ وَجَلِيدٌ وَوَحْلٌ وَرِيحٌ شَدِيدَةٌ بَارِدَةٌ‏)‏ ظَاهِرُهُ‏:‏ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً، وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ‏:‏ كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ شَدِيدَةً بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَارِدَةً ‏(‏وَمَطَرٌ يَبُلُّ الثِّيَابَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ‏)‏ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِالْجَمْعِ لِذَلِكَ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ‏}‏، وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ مُنَادِيَهُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فَنَادَى‏:‏ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ ‏"‏ وَالْوَحْلُ أَعْظَمُ مَشَقَّةً مِنْ الْبَرْدِ فَيَكُونُ، أَوْلَى‏.‏

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ‏}‏ وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ إلَّا الْوَحْلُ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ عُذْرٍ، وَالنَّسْخُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ فَإِنْ بَلَّ الْمَطَرُ النَّعْلَ فَقَطْ، أَوْ الْبَدَنَ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَشَقَّةٌ، فَلَا وَلَهُ الْجَمْعُ لِمَا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَلَوْ صَلَّى بِبَيْتِهِ، أَوْ بِمَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمُجَاوِرَةٍ بِالْمَسْجِدِ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْمُصَلِّينَ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمُهَا كَالسَّفَرِ ‏(‏وَالْأَفْضَلُ‏)‏ لِمَنْ يَجْمَعُ ‏(‏فِعْلُ الْأَرْفَقِ بِهِ مِنْ تَأْخِيرِ‏)‏ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، أَوْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ ‏(‏أَوْ تَقْدِيمٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَقْتَ الظُّهْرِ، أَوْ الْعِشَاءِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ‏.‏

‏(‏سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ إنْ عَدِمَ‏)‏ الْأَرْفَقَ فِيهِمَا، فَالْأَفْضَلُ بِعَرَفَةَ التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا وَبِمُزْدَلِفَةَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا ‏(‏فَإِنْ اسْتَوَيَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْأَرْفَقِيَّةِ ‏(‏فَتَأْخِيرٌ أَفْضَلُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ‏(‏سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ‏)‏ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ مُطْلَقًا أَفْضَلُ، اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمْعِ تَقْدِيمًا كَانَ، أَوْ تَأْخِيرًا ‏(‏تَرْتِيبٌ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ، أَوْ نَسِيَهُ، بِخِلَافِ سُقُوطِهِ بِالنِّسْيَانِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏لِجَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى‏)‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ‏(‏نِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمْعِ ‏(‏عِنْدَ إحْرَامِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ ‏(‏إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ‏)‏ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُتَابَعَةُ‏.‏

وَلَا يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْبِيرِ عِيدٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ ذِكْرٍ وَلَا سُجُودِ سَهْوٍ ‏(‏فَيَبْطُلُ‏)‏ جَمْعٌ ‏(‏بِرُتْبَةٍ‏)‏ صَلَّاهَا ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏وُجُودُ الْعُذْرِ‏)‏ الْمُبِيحِ لِلْجَمْعِ ‏(‏عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ ‏(‏وَ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏سَلَامِ الْأُولَى‏)‏ مِنْهُمَا لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ‏.‏

وَسَلَامَهَا وَافْتِتَاحَ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ ‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏اسْتِمْرَارُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعُذْرِ ‏(‏فِي غَيْرِ جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَبَرْدٍ ‏(‏إلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ‏)‏ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ‏.‏

‏(‏فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْأُولَى‏)‏ مِنْهُمَا نَاوِيًا الْجَمْعَ ‏(‏لِمَطَرٍ ثُمَّ انْقَطَعَ‏)‏ الْمَطَرُ ‏(‏وَلَمْ يَعُدْ فَإِنْ حَصَلَ وَحْلٌ‏)‏ لَمْ يَبْطُلْ الْجَمْعُ لِأَنَّ الْوَحْلَ يَنْشَأُ عَنْ الْمَطَرِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحْلٌ ‏(‏بَطَلَ‏)‏ الْجَمْعُ وَلَوْ خَلَفَهُ مَرَضٌ، أَوْ نَحْوُهُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِ فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ بِأُولَى‏)‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ أَرْسَتْ بِهِ السَّفِينَةُ بِهَا عَلَى وَطَنِهِ ‏(‏بَطَلَ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ‏)‏ لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ ‏(‏فَيُتِمُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأُولَى ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ فَرْضًا لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ ‏(‏بِثَانِيَةٍ‏)‏ كَمَنْ أَحْرَمَ بِهَا ‏(‏بَطَلَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيُتِمُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّانِيَةَ ‏(‏نَفْلًا‏)‏ كَمَنْ أَحْرَمَ بِهَا ظَانًّا دُخُولَ وَقْتِهَا فَبَانَ عَدَمُهُ‏.‏

وَالْأُولَى وَقَعَتْ فِي مَوْقِعِهَا وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُمَا فَلَا إعَادَةَ ‏(‏وَمَرَضٌ فِي جَمْعٍ كَسَفَرٍ‏)‏ فَإِنْ عُوفِيَ بِالْأُولَى أَتَمَّهَا وَصَحَّتْ وَفِي الثَّانِيَةِ صَحَّتْ نَفْلًا وَبَعْدَهُمَا أَجْزَأَتَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏لِجَمْعٍ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ‏)‏ وَهُوَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا ‏(‏نِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمْعِ ‏(‏بِوَقْتِ أُولَى‏)‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ مُبِيحِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَضِقْ‏)‏ وَقْتُ الْأُولَى ‏(‏عَنْ فِعْلِهَا‏)‏ لِفَوَاتِ فَائِدَةِ الْجَمْعِ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ فِعْلِهَا حَرَامٌ فَيُنَافِي الرُّخْصَةَ وَهِيَ الْجَمْعُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏بَقَاءُ عُذْرٍ‏)‏ مِنْ نِيَّةِ جَمْعٍ بِوَقْتِ أَوْلَى ‏(‏إلَى دُخُولِ وَقْتِ ثَانِيَةٍ‏)‏ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ زَالَ الْمُقْتَضَى لِلْجَمْعِ، فَامْتَنَعَ كَمَرِيضٍ بَرِيءَ وَمُسَافِرٍ قَدِمَ، و‏(‏لَا‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏غَيْرُ‏)‏ مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا اسْتِمْرَارُهُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِمَا، وَلَا اتِّحَادُ إمَامٍ، أَوْ مَأْمُومٍ‏.‏

‏(‏فَلَوْ صَلَّاهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجْمُوعَتَيْنِ ‏(‏خَلْفَ إمَامَيْنِ‏)‏ كُلَّ وَاحِدَةٍ خَلْفَ إمَامٍ، ‏(‏أَوْ‏)‏ صَلَّاهُمَا خَلْفَ ‏(‏مَنْ لَمْ يَجْمَعْ‏)‏ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَلَّى ‏(‏إحْدَاهُمَا مُنْفَرِدًا، أَوْ‏)‏ صَلَّى ‏(‏الْأُخْرَى جَمَاعَةً‏)‏ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَلَّى إمَامًا ‏(‏لَا بِمَأْمُومِ الْأُولَى وب‏)‏ مَأْمُومٍ ‏(‏أَخَّرَ الثَّانِيَةَ‏)‏ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَلَّاهُمَا إمَامًا ‏(‏بِمَنْ لَمْ يَجْمَعَ صَحَّ‏)‏ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَمَتَى ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ الْأُولَى رُكْنًا أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا وَنَسِيَهَا أَعَادَهُمَا فِي الْوَقْتِ أَوْ قَضَاهُمَا بَعْدَهُ مُرَتَّبًا، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ أَعَادَهَا، أَوْ قَضَاهَا فَقَطْ، وَلَا يَبْطُلُ جَمْعُ تَأْخِيرٍ مُطْلَقًا وَلَا جَمْعُ تَقْدِيمٍ إنَّ أَعَادَهَا قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ

وَمَشْرُوعِيَّتِهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَخْصِيصُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏ الْآيَةَ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى فِعْلِهَا، وَصَلَّاهَا عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى وَحُذَيْفَةُ وَأَمَّا تَرْكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ قِتَالُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ صَلَاةِ الْأَمْنِ ‏(‏تَصِحُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِقِتَالٍ مُبَاحٍ‏)‏ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ‏.‏

فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ كَقِتَالٍ مِنْ أَهْلِ بَغْيٍ وَقُطَّاعِ طَرِيقٍ ‏(‏وَلَوْ حَضَرَا‏)‏ لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْخَوْفُ لَا السَّفَرُ ‏(‏مَعَ خَوْفِ هَجْمِ الْعَدُوِّ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏فِي سَفَرٍ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَوْ سِتَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى‏:‏ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، أَمْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنَا أَقُولُ‏:‏ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلَّهَا فَحَسَنٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ ‏(‏الْأَوَّلُ‏)‏ مِنْ الْوُجُوهِ ‏(‏إذَا كَانَ الْعَدُوُّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ يَرَى‏)‏ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏وَلَمْ يُخَفْ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهَا ‏(‏كَمِينٌ‏)‏ يَأْتِي مِنْ خَلْفِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ قَوْمٌ يَكْمُنُونَ فِي الْحَرْبِ ‏(‏صَفَّهُمْ‏)‏ أَيْ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏الْإِمَامُ صَفَّيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ‏)‏ مِنْ الصُّفُوفِ‏.‏

‏(‏فَإِذَا سَجَدَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ وَحَرَسَ‏)‏ الصَّفُّ ‏(‏الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ‏)‏ الصَّفُّ ‏(‏الْحَارِسُ وَيَلْحَقُهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامَ ‏(‏ ثُمَّ الْأُولَى وَتَأَخَّرَ‏)‏ الصَّفُّ ‏(‏الْمُقَدَّمُ‏)‏ السَّاجِدُ مَعَ الْإِمَامِ ‏(‏وَتَقَدَّمَ‏)‏ الصَّفُّ ‏(‏الْمُؤَخَّرُ‏)‏ السَّاجِدُ بَعْدَهُ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ بَيْنَهُمَا فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ ‏(‏ثُمَّ فِي‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ يَسْجُدُ مَعَهُ الْحَارِسُ فِي الْأُولَى و‏(‏يَحْرُسُ السَّاجِدُ مَعَهُ أَوَّلًا‏)‏ أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ‏(‏ثُمَّ يَلْحَقُهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامَ ‏(‏فِي التَّشَهُّدِ فَيُسَلِّمُ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏بِجَمِيعِهِمْ‏)‏ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ قَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَانْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا‏.‏

ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْبُخَارِيِّ بَعْضُهُ وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَصَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ‏}‏ ‏(‏وَيَجُوزُ جَعْلُهُمْ‏)‏ أَيْ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏صَفًّا‏)‏ وَاحِدًا ‏(‏وَيَحْرُسُ بَعْضُهُ‏)‏ فِي الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصَّفِّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي حِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي إنْكَاءِ الْعَدُوِّ و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏حَرْسُ صَفٍّ فِي الرَّكْعَتَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ بِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ‏.‏

الْوَجْهُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ إذَا كَانَ‏)‏ الْعَدُوُّ ‏(‏بِغَيْرِ جِهَتِهَا‏)‏ أَيْ الْقِبْلَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ ‏(‏وَلَمْ يُرَ‏)‏ أَيْ يَرَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، أَوْ بِهَا وَيُرَى وَيُخَافُ كَمِينٌ ‏(‏قَسَمَهُمْ‏)‏ أَيْ الْمُسْلِمِينَ الْإِمَامُ ‏(‏طَائِفَتَيْنِ تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏الْعَدُوَّ‏)‏ زَادَ أَبُو الْمَعَالِي‏:‏ بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا ‏(‏طَائِفَةٌ‏)‏ مِنْهُمْ تَذْهَبُ حَذْوَ الْعَدُوِّ ‏(‏وَتَحْرُسُ‏)‏ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الطَّائِفَةُ الْحَارِسَةُ ‏(‏مُؤْتَمَّةٌ بِهِ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ حُكْمًا ‏(‏فِي كُلِّ صَلَاتِهِ‏)‏ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ تَرْجِعُ مِنْ الْحِرَاسَةِ، وَتُحْرِمُ لَا تُفَارِقُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهَا‏.‏

وَالْمُرَادُ بَعْدَ دُخُولِهَا مَعَهُ لَا قَبْلَهُ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ ‏(‏وَتَسْجُدُ مَعَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏لِسَهْوِهِ‏)‏ وَلَوْ فِي الْأُولَى قَبْلَ دُخُولِهَا، لَا لِسَهْوِهَا إنْ سَهَتْ، لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ ‏(‏وَطَائِفَةٌ‏)‏ يُحْرِمُ بِهَا، و‏(‏يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً‏)‏ وَهِيَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تُفَارِقُهُ كَمَا يَأْتِي ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الطَّائِفَةُ الَّتِي يُصَلِّي بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ‏(‏مُؤْتَمَّةٌ‏)‏ بِهِ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ‏(‏إذَا فَرَغَتْ‏)‏ أَيْ أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا‏.‏

‏(‏فَإِذَا اسْتَتَمَّ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏قَائِمًا إلَى‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ نَوَتْ‏)‏ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ‏(‏الْمُفَارَقَةَ‏)‏ لَهُ ‏(‏وَأَتَمَّتْ‏)‏ صَلَاتَهَا ‏(‏لِنَفْسِهَا‏)‏ مُنْفَرِدَةً ‏(‏وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ تَحْرُسُ‏)‏ مَكَانَ الطَّائِفَةِ الْحَارِسَةِ قَبْلَهَا ‏(‏وَيُبْطِلُهَا‏)‏ أَيْ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ‏(‏مُفَارَقَتُهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏قَبْلَ قِيَامِهِ‏)‏ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ‏)‏ لَهَا فِي مُفَارَقَتِهِ، لِتَرْكِهَا الْمُتَابَعَةَ بِلَا عُذْرٍ ‏(‏وَيُطِيلُ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏قِرَاءَتَهُ‏)‏ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏حَتَّى تَحْضُرَ‏)‏ الطَّائِفَةُ ‏(‏الْأُخْرَى‏)‏ الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ ‏(‏فَتُصَلِّيَ مَعَهُ‏)‏ بَعْدَ إحْرَامِهَا الرَّكْعَةَ ‏(‏الثَّانِيَةَ‏)‏ وَلَا يَرْكَعُ بَعْدَ إحْرَامِهَا، حَتَّى تَقْرَأَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، وَيَكْفِي إدْرَاكُهَا الرُّكُوعَ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ الْقِرَاءَةَ إلَى مَجِيئِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إذَا فَرَغَ مِنْهَا وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ انْتَظَرَهَا ‏(‏يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ، وَ‏)‏ حَتَّى ‏(‏تَتَشَهَّدَ فَيُسَلِّمُ بِهَا‏)‏ وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ‏}‏ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ، وَتَحْصُلُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةَ فَضِيلَةَ السَّلَامِ‏.‏

وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ‏}‏ وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا‏.‏

وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ‏:‏ أَنَّهُ اخْتَارَهُ لِأَنَّهُ أَنْكَأُ لِلْعَدُوِّ، وَأَقَلُّ أَفْعَالًا، وَأَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ ‏(‏وَإِنْ أَحَبَّ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏ذَا الْفِعْلَ‏)‏ أَيْ الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ‏(‏مَعَ رُؤْيَةِ الْعَدُوِّ جَازَ‏)‏ نَصًّا، لِعُمُومِ الْآيَةِ‏.‏

‏(‏ وَإِنْ انْتَظَرَهَا‏)‏ أَيْ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الْإِمَامُ ‏(‏جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ‏)‏ لَهُ فِي الْجُلُوسِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ‏(‏وَإِنْ ائْتَمَّتْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ‏)‏ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُمْ، أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ لِاقْتِدَائِهِمْ فِي صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَظَاهِرُهُ‏:‏ تَصِحُّ لَهُمْ لِلْعُذْرِ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ‏)‏ الطَّائِفَةُ ‏(‏الْحَارِسَةُ الْحِرَاسَةَ بِلَا إذْنِ‏)‏ الْإِمَامِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَأْتِي ‏(‏تُصَلِّي‏)‏ مَعَهُ ‏(‏لِمَدَدٍ تَحَقَّقْتَ غَنَاءَهُ‏)‏ أَيْ إجْزَاءَهُ ‏(‏عَنْهَا‏)‏ لِحُصُولِ الْغَرَضِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا الْغِنَى أَوْ شَكَّتْ فِيهِ لَمْ يَجُزْ، قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ‏(‏وَلَوْ خَاطَرَ أَقَلُّ مِمَّنْ شَرَطْنَا‏)‏ بِأَنْ كَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ ‏(‏وَتَعَمَّدُوا الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ صَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِهِمْ كَتَرْكِ حَمْلِ سِلَاحٍ مَعَ حَاجَةٍ ‏(‏وَيُصَلِّي‏)‏ إمَامٌ ‏(‏الْمَغْرِبَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَ‏)‏ بِالطَّائِفَةِ ‏(‏الْأُخْرَى رَكْعَةً‏)‏ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَفْضِيلٍ فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ‏.‏

وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا مَعَهُ السَّلَامَ ‏(‏وَلَا تَتَشَهَّدُ‏)‏ الثَّانِيَةُ بَعْدَ صَلَاتِهَا ‏(‏مَعَهُ‏)‏ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ ‏(‏عَقِبَهَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ تَشَهُّدِهَا، بَلْ تَقُومُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهَا ‏(‏وَيَصِحُّ عَكْسُهَا‏)‏ أَيْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ نَصًّا‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ فَيَجْبُرُ الثَّانِيَةَ بِزِيَادَتِهِ الرَّكَعَاتِ، لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَفْعَلُ جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ وَالْأُولَى فِي حُكْمِ الِانْفِرَادِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُصَلِّي إمَامٌ ‏(‏الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ‏)‏ أَيْ لَا قَصْرَ فِيهَا ‏(‏بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ‏)‏ تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ ‏(‏بِطَائِفَةٍ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏رَكْعَةً وَ‏)‏ بِطَائِفَةٍ ‏(‏أُخْرَى ثَلَاثًا‏)‏ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالطَّائِفَتَيْنِ‏.‏

‏(‏وَتُفَارِقُهُ‏)‏ الطَّائِفَةُ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ إذَا صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ مَغْرِبٍ، أَوْ رُبَاعِيَّةٍ تَامَّةٍ ‏(‏عِنْدَ فَرَاغ التَّشَهُّدِ‏)‏ الْأَوَّلِ ‏(‏وَيَنْتَظِرُ‏)‏ الطَّائِفَةَ ‏(‏الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُهُ‏)‏ أَيْ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ إلَى أَنْ تَحْضُرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ ‏(‏فَإِذَا أَتَتْ قَامَ‏)‏ لِتُدْرِكَ مَعَهُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ، وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ‏.‏

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي‏:‏ تُحْرِمُ مَعَهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ ‏(‏وَتُتِمُّ‏)‏ الطَّائِفَةُ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ الَّتِي أَدْرَكَتْ الْأُولَيَيْنِ ‏(‏بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَ‏)‏ تُتِمُّ الطَّائِفَةُ ‏(‏الْأُخْرَى بِسُورَةٍ مَعَهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مَا تَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهَا، وَتَسْتَفْتِحُ فِيهِ وَتَتَعَوَّذُ، وَيُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ حَتَّى تَفْرَغَ وَيُسَلِّمَ بِهَا ‏(‏وَإِنْ فَرَّقَهُمْ‏)‏ أَيْ الْإِمَامُ الْمُصَلِّينَ ‏(‏أَرْبَعًا صَلَّى‏)‏ الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ ‏(‏بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً‏)‏ أَوْ فَرَّقَهُمْ ثَلَاثًا، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً أَوْ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏صَحَّتْ صَلَاةُ‏)‏ الطَّائِفَتَيْنِ ‏(‏الْأُولَيَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُمَا فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ صَلَاةُ ‏(‏الْإِمَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ زَادَ انْتِظَارًا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ خَوْفٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَا صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ ‏(‏الْأُخْرَيَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ ‏(‏إلَّا إنْ جَهِلُوا الْبُطْلَانَ‏)‏ أَيْ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ جَهِلُوهُ صَحَّتْ لَهُمْ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، وَكَمَنْ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ لَا يَعْلَمُ حَدَثَهُ وَيَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا الْوَجْهُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ‏)‏ يَقْسِمَهُمْ طَائِفَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، طَائِفَةٌ تَحْرُسُ، و‏(‏يُصَلِّي‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ تَمْضِي‏)‏ فَتَحْرُسُ مَكَانَ الْأُخْرَى ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يُصَلِّي ‏(‏بِالْأُخْرَى‏)‏ الْحَارِسَةِ إذَا أَتَتْ ‏(‏رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي‏)‏ فَتَحْرُسُ ‏(‏وَيُسَلِّمُ‏)‏ إمَامٌ ‏(‏وَحْدَهُ، ثُمَّ تَأْتِي‏)‏ الطَّائِفَةُ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى ‏(‏فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا بِقِرَاءَةِ‏)‏ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَتُسَلِّمُ وَتَمْضِي لِتَحْرُسَ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ تَأْتِي ‏(‏الْأُخْرَى فَتَفْعَلُ‏)‏ كَذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ أَتَمَّتْهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةَ الطَّائِفَةُ ‏(‏الثَّانِيَةُ عَقِبَ مُفَارَقَتِهَا‏)‏ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ‏(‏وَمَضَتْ‏)‏ تَحْرُسُ ‏(‏ثُمَّ أَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ‏)‏ صَلَاتَهَا ‏(‏كَانَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏أَوْلَى‏)‏ لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوَّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

الْوَجْهُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ ‏{‏يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ صَلَاةً يُسَلِّمُ بِهَا أَيْ بِكُلِّ طَائِفَةٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَغَايَتُهُ‏:‏ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِينَ بِالْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ مُغْتَفَرٌ هُنَا الْوَجْهُ ‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ أَنْ يُصَلِّيَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا‏)‏ لِكَوْنِهِمْ مُسَافِرِينَ ‏(‏تَامَّةً بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ‏)‏ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ ‏(‏فَتَكُونُ لَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏تَامَّةً وَلَهُمْ مَقْصُورَةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ‏:‏ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ‏:‏ فَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ الْوَجْهُ ‏(‏السَّادِسُ‏:‏ وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ‏)‏ مِنْ الْأَصْحَابِ ‏(‏أَنْ يُصَلِّيَ‏)‏ الْإِمَامُ الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا ‏(‏بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ‏)‏ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ كَصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ‏.‏

قَالَ‏:‏ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ، ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ وَلِلْخَوْفِ وَالسَّفَرِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْكَافِي‏:‏ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا‏:‏ لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ‏.‏

وَحَمَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏ السَّابِعُ مِنْ الْأَوْجُهِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَحْمَدُ

مَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏أَنْ تَقُومَ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَأُخْرَى تِجَاهَ الْعَدُوِّ وَظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يُحْرِمُ وَتُحْرِمُ مَعَهُ الطَّائِفَتَانِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً هُوَ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ، وَيَذْهَبُ الَّذِينَ مَعَهُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَتَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَيَجْلِسُ، وَتَأْتِي الَّتِي تِجَاهَ الْعَدُوِّ فَتَرْكَعُ وَتَسْجُدُ وَيُسَلِّمُ بِالْجَمِيعِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَضَرًا‏)‏ لَا سَفَرًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ تَبْطُلَ إنْ بَقِيَ مُنْفَرِدًا بَعْدَ ذَهَابِ الطَّائِفَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ، وَقِيلَ‏:‏ يَجُوزُ هُنَا لِلْعُذْرِ ‏(‏بِشَرْطِ كَوْنِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ‏)‏ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ‏(‏فَأَكْثَرَ‏)‏ لِاشْتِرَاطِ الِاسْتِيطَانِ وَالْعَدَدِ فِيهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ أَيْضًا ‏(‏أَنْ يُحْرِمَ بِمَنْ حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ‏)‏ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ، لِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِمَنْ لَمْ تَحْضُرْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَصِحَّ‏.‏

‏(‏وَيُسِرَّانِ‏)‏ أَيْ الطَّائِفَتَانِ ‏(‏الْقِرَاءَةَ فِي الْقَضَاءِ‏)‏ أَيْ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ، كَالْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا‏.‏

‏(‏وَيُصَلِّي لِلِاسْتِسْقَاءِ‏)‏ فِي الْخَوْفِ ‏(‏ضَرُورَةً‏)‏ أَيْ إذَا أَضَرَّ الْجَدْبُ ‏(‏كَمَكْتُوبَةٍ‏)‏ عَلَى مَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ صَلَاةُ ‏(‏كُسُوفٍ وَ‏)‏ صَلَاةُ ‏(‏عِيدٍ‏)‏ مَعَ خَوْفٍ ‏(‏آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏:‏ أَنَّ الْكُسُوفَ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَمَّا الْعِيدُ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ‏)‏ فِي صَلَاةِ خَوْفٍ ‏(‏حَمْلُ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُثْقِلُهُ‏:‏ كَسِكِّينٍ وَسَيْفٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ الْآيَةَ وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ‏}‏ الْآيَةَ وَالْأَمْرُ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ وَلَا يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَاجَةٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ لِمُصَلٍّ حَمْلُ ‏(‏مَا مَنَعَ إكْمَالَهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ ‏(‏كَمِغْفَرٍ‏)‏ بِوَزْنِ مِنْبَرٍ‏:‏ زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ، أَوْ حِلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَمْلُ ‏(‏مَا ضَرَّ غَيْرَهُ‏)‏ أَيْ غَيْرَ حَامِلِهِ ‏(‏كَرُمْحٍ مُتَوَسِّطٍ‏)‏ لِلْقَوْمِ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ لَمْ يُكْرَهْ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏.‏

وَيُكْرَهُ حَمْلُ ‏(‏مَا‏)‏ ‏(‏أَثْقَلَهُ كَجَوْشَنٍ‏)‏ وَهُوَ الصَّدْرُ وَالدِّرْعُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ‏(‏وَجَازَ‏)‏ فِي صَلَاةِ خَوْفٍ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏:‏ حَمْلُ نَجَسٍ‏)‏ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي غَيْرِهَا ‏(‏وَلَا يُعِيدُ‏)‏ مَا صَلَّاهُ فِي الْخَوْفِ مَعَ النَّجَسِ الْكَثِيرِ لِلْعُذْرِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ماذا يفعل إذا اشتد الخوف‏]‏

وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ أَيْ تَوَاصَلَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَفْرِيقُ الْقَوْمِ وَصَلَاتُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ ‏(‏صَلَّوْا‏)‏ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وُجُوبًا وَلَا يُؤَخِّرُونَهَا إلَى الْأَمْنِ ‏(‏رِجَالًا وَرُكْبَانًا، لِلْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا‏}‏ الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏"‏ فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

زَادَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ قَالَ نَافِعٌ ‏{‏لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا ‏(‏وَلَا يَلْزَمُ‏)‏ مُصَلِّيًا إذَنْ ‏(‏افْتِتَاحُهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ ‏(‏إلَيْهَا‏)‏ أَيْ الْقِبْلَةِ ‏(‏وَلَوْ أَمْكَنَ‏)‏ الْمُصَلِّي ذَلِكَ كَبَقِيَّةِ الصَّلَاةِ ‏(‏يُومِئُونَ‏)‏ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ‏(‏طَاقَتَهُمْ‏)‏ وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُمْ لَوْ تَمَّمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَكَانُوا هَدَفًا لِأَسْلِحَةِ الْعَدُوِّ، مُعَرِّضِينَ أَنْفُسَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَلَا يَجِبُ سُجُودٌ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ فِيمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏حَالَةَ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا‏)‏ بِأَنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ هَرَبَ مِنْ ‏(‏سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ‏)‏ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ‏.‏

وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ‏(‏أَوْ‏)‏ هَرَبَ مِنْ ‏(‏نَارٍ أَوْ غَرِيمٍ ظَالِمٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ لَمْ يَجُزْ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَكُنْ هَرَبَ لَكِنْ صَلَّى كَذَلِكَ ‏(‏خَوْفَ فَوْتِ عَدُوٍّ يَطْلُبُهُ‏)‏ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ ‏{‏بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ قَالَ‏:‏ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْت‏:‏ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا أُصَلِّي وَأُومِئُ إيمَاءً نَحْوَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ فَوْتَ عَدُوِّهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَأُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَحَالِ لِقَائِهِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفِ فَوْتِهِ ‏(‏وَقْتَ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ‏)‏ إنْ صَلَّى آمِنًا فَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مَاشِيًا حِرْصًا عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ، وَلِمَا يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِهِ مِنْ الضَّرَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفٍ ‏(‏عَلَى نَفْسِهِ‏)‏ إنْ صَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ وَمِنْهُ مَنْ اخْتَفَى بِمَوْضِعٍ يَخَافَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفٍ عَلَى ‏(‏أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ذَبِّهِ‏)‏ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ‏(‏عَنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ فَيُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ ذَبِّهِ ‏(‏عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ‏)‏ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ‏)‏ صَلَاةُ الْخَوْفِ صُلِّيَتْ ‏(‏لِسَوَادٍ‏)‏ أَيْ شَخْصٍ ‏(‏ظَنَّهُ عَدُوًّا‏)‏ فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ أَعَادَ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَلَّاهَا لِعَدُوٍّ ثُمَّ تَبَيَّنَ ‏(‏دُونَهُ مَانِعٌ‏)‏ كَبَحْرٍ يَحُولُ بَيْنَهُمَا ‏(‏أَعَادَ‏)‏ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُبِيحِ وَنُدْرَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، بِخِلَافِ مَنْ تَيَمَّمَ لِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُعِيدُ ‏(‏إنْ‏)‏ صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ لِعَدُوٍّ ثُمَّ ‏(‏بِأَنْ يَقْصِدَ غَيْرَهُ‏)‏ لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ وَهُوَ الْعَدُوُّ يَخْشَى هَجْمَهُ ‏(‏ك‏)‏ مَا لَا يُعِيدُ‏.‏

‏(‏مَنْ خَافَ عَدُوًّا إنْ تَخَلَّفَ عَنْ رُفْقَتِهِ‏)‏ وَصَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ ‏(‏فَصَلَّاهَا‏)‏ أَيْ صَلَاةَ الْخَوْفِ ‏(‏ثُمَّ بَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ‏)‏ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ ‏(‏أَوْ خَافَ بِتَرْكِهَا‏)‏ أَيْ صَلَاةِ الْخَوْفِ ‏(‏كَمِينًا‏)‏ يُكْمَنُ لَهُ فِي طَرِيقِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَافَ بِتَرْكِهَا ‏(‏مَكِيدَةً أَوْ مَكْرُوهًا، كَهَدْمِ سُورٍ، أَوْ طَمِّ خَنْدَقٍ‏)‏ إنْ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ أَمْنٍ صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ الطَّمِّ وَالْهَدْمَ لَا تَتِمُّ لِلْعَدُوِّ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ صَلَّوْا صَلَاةَ أَمْنٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ خَافَ‏)‏ فِي صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا آمِنًا، انْتَقَلَ وَبَنَى لِوُجُودِ الْمُبِيحِ ‏(‏أَوْ أَمِنَ فِي صَلَاةٍ‏)‏ ابْتَدَأَهَا خَائِفًا ‏(‏انْتَقَلَ‏)‏ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ ‏(‏وَبَنَى‏)‏ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، كَعُرْيَانٍ وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبًا ‏(‏وَلَا يَزُولُ خَوْفٌ إلَّا بِانْهِزَامِ‏)‏ الْعَدُوِّ ‏(‏الْكُلِّ‏)‏ لِأَنَّ انْهِزَامَ بَعْضِهِ قَدْ يَكُونُ خُدْعَةً ‏(‏وَكَفَرْضِ تَنَفُّلٍ‏)‏ شُرِعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَوَّلًا فَيُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَوْ مُنْفَرِدًا‏)‏ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ‏(‏وَالْمُصَلِّي‏)‏ فِي خَوْفِ ‏(‏كَرٍّ‏)‏ عَلَى الْعَدُوِّ ‏(‏وَفَرٍّ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏لِمَصْلَحَةٍ وَلَا تَبْطُلُ بِطُولِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الصِّيَاحِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ بَلْ السُّكُوتُ أَهْيَبُ فِي نُفُوسِ الْأَقْرَانِ‏.‏